![]() |
|
LinkBack | أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
![]() مقال الطيب صالح -طيب الله ثراه- عن رمضان لا أظن أحداً ينسى الأماكن التي صام فيها ، وهل كان الفصل صيفاً أم شتاء . وبماذا أفطر ومع من أفطر.* وهو قد ينسى بقية أيام العام باستثناء أيام قليلة تباغته فيها الحياة ، كما تفعل بإحدى مفاجآتها السارة أو المحزنة . الأيام العادية تمضي تباعاً طوال العام .لا يكاد الإنسان يحس بمرورها . كأن الزمن نهر سرمدي. ولكن يوم الصائم – وهذه عندي من حكم الصوم- يتفلت قطرة قطرة الدقائق تمر كأنك تسمع وقع خطاها . الصائم يحس بالزمن لأول مرة خلال العام أنه (كم) يمكن أن يوزن بميزان ويقاس بمقياس . يختلط جوعه وظمأه - خاصة إذا كان الوقت صيفاً حاراً - مع كل دقيقة تمر. يكونان عجينة من المكابدة والسعادة .* فإذا انقضى اليوم ، يحس الصائم أنه قد قطع شوطاً مهماً في رحلة حياته . وإذا انقضى الشهر بطوله ، يشعر حقاً أنه يودع ضيفاً عزيزاً طيب الصحبة، ولكنه عسير المراس . إنني أذكر بوضوح رمضانات صمتها عند أهلي في صباي الباكر ، أول عهدي بالصيام .* كنا قبيلة أفرادها كلهم أحياء : الجدود والآباء والأعمام والأخوال وأبناء العمومة والخؤولة. لم يكن الدهر قد بدأ بعد يقضم من جسمها كما يقضم الفأر من كسرة الخبز. كـانت دورنا تقوم على هيئة مربع ، وفي الوسط باحة واسعة فيها رقعة رملية . كنا نجتمع للإفطار في تلك الرقعة . نتولى نحن الصبية أمر تنظيفها وفرش الحصر عليها ، وقبيل المغيب نجئ بسفر الطعام من البيوت، ونجلس مع كبارنا ننتظر تلك اللحظة الرائعة حين يؤذن مؤذن البلدة – غير بعيد منا- ( الله أكبر) معلناً نهاية اليوم . وكنت في تلك الأيام قبل - أن يقسو القلب ويتبلد الشعور - أحس أن ذلك النداء موجه لي وحدي ، كأنه يبلغني تحية من آفاق عليا ، إنني انتصرت على نفسي. أذكر جيداً طعم التمر الرطب ، وهو أول ما نفطر به ، حين يوافق رمضان موسم طلوع الرطب . وكانت لنا نخلات نميزها ونعني بها ، لها ثمر شديد الحلاوة ، تخرجه باكراً . كانوا لا يبيعون ثمارها. ولكنهم يدخرونه لمثل تلك المواسم . وقد زرعت أصلاً من أجل ذلك . وأذكر مذاق الماء الذي يصفى ويبرد في الأزيار أو في القرب ، خاصة ماء القرب ، الذي يخالطه شيء من طعم الجلد المدبوغ . وشراب ( الابري) وهو يصنع من خبز يكون رقيقاً جداً : أرق من الورق . تضاف إليه توابل ، وينقع في الماء ويحلى بالسكر . ومذاق ( الحلو مر ) وهو أيضاً من عجين مخلوط بتوابل خاصة . وحين ينقع في الماء يكون ذا لون أحمر داكن الحمرة . هذان الشرابان لا يوجدان إلا في السـودان ، وهما مرتبطان برمضان . ولهما رائحة عبقة فواحة.* تلك وروائح أخرى ، كان خيالي الصبي يصورها في ذلك الزمان ، كأنها تأتي من المصدر الغامض نفسه الذي يأتي منه شهر رمضان .* كان طعم الزمان في تلك الأيام حلواً مخلوطاً بمرارة لها مذاق العسل . لم نكن نأكل كثيراً في إفطارنا . لا توجد لحوم أو أشياء مطبوخة ، كل واحد يتعشى بعد ذلك في داره على هواه ، وغالباً ما ينتظر السحور من دون عشاء . نصلي ونفطر على مهل ،ونقوم نحن الصبية فنحضر الشاي والقهوة ( الجبنة) وكان يسمح لنا بشرب القهوة فقط في شهر رمضان ، فالقهوة عدا ذلك للكبار وحدهم . ولم يكن ذلك نوعاً من الحظر ، ولكن من قبيل الاقتصاد في النفقة ، فقد كان البن أغلى من الشاي. يساوونا بأنفسهم لأننا نصوم مثلهم.ثم يأخذون في الحديث ونحن نسمع ولا نتكلم ، ويا له من حديث ، كان رمضان يخرج منهم كنوزاً دفينة . كنت أستمع إليهم وكأني أشرب ماء القرب البارد وآكل التمر الرطب. لا أعلم كم كان (معدل الدخل) عندنا تلك الأيام . ولم أكن أعلم شيئاً عن الحالة الاقتصادية في القطر . ولم يكن يهمني من الذي يحكم البلد . كنت أعلم أن الإنجليز موجودون في الخرطوم ، وأحياناً يمر بنا واحد منهم ، كما يمر طائر غريب في السماء. لكننا كنا بمعزل عن كل ذلك ،نحس بالعزة والمنعة والطمأنينة والثراء. كنـت أعلم أن ذلك الإحساس حق ، من الطريقة التي يمشي بها آبائي وأجدادي . لا يمشون مختالين ، ولكنهم يمشون على وجه الأرض ثابتي الخطى مرفوعي الرؤوس ، لا يخامرهم شك أن الأرض أرضهم والزمان زمانهم. ولعـل الإنجليز خرجوا آخر الأمر لأنهم ضاقـوا بإحساس الحرية ذاك لدى السودانيين ، كأنهم لم يفهموا ، أو رفضوا أن يفهموا أنهم أمة مهزومة مستعمرة. الإحساس بالمذلة والهوان حدث لهم بعد ذلك. على أيدي بعض أبنائهم الذين انتزعوا الحكم من الذين ورثوه عن الإنجليز ، ومنهم من كان صبياً مثلي في ذلك الزمان الأغـر ، وجلس على بقعة رمل كما جلست ، مع آبائه وأجداده في إفطار شهر رمضان. كنا حقاً سواسية كأسـنان المشط . ولا بد أنه ذاق المذاقات نفسها وشم الروائح نفسها ، واستمع مثلي إلى أحاديث آبائه وأجداده ، حديثاً مليئاً بالمحبة والحكمة والطمأنينة . فماذا أصابنا بعد ذلك ، أم ماذا أصاب الزمان؟ المصدر: منتديات الساعي ![]()
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
زمن الطيب والطيبين | ترنيمة عشق | ═ المواضيع العامة ! | 2 | 06-15-2015 09:41 AM |
وفاة مأذون بعد إكماله عقد زواج داخل مسجد مرددا “الله أكبر” “الله أكبر” | فهد | مقاطع متنوعه | 5 | 06-15-2015 12:54 AM |
هدايا من الله للصائم | ترنيمة عشق | ¬خيمة الساعي الرمضانية » • | 3 | 06-13-2015 12:33 PM |
تفصيل مسألة الجمع والقصر في السفر ــ الشيخ صالح المغامسي | فهد | ¬ الساعي الإسلامي العام» • | 3 | 06-12-2015 08:12 PM |
مشاهدة فيلم فبراير الاسود للفنان خالد صالح | Ayman | أفلام عربي | 2 | 06-04-2015 08:49 AM |